أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائى وأبى بكر الرازى محمد بن زكريا الطبيب وغيرهما دخول الجن فى بدن المصروع وأحالوا وجود روحين فى جسد مع إقرارهم بوجود الجن إذ لم يكن ظهور هذا فى المنقول عن النبى - صلى الله عليه وسلم - كظهور هذا وهذا الذى قالوه خطأ وذكر ابو الحسن الأشعرى فى مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون إن الجن تدخل فى بدن المصروع كما قال الله تعالى “ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس “ قال عبدالله بن أحمد بن حنبل قلت لأبى إن قوما يقولون إن الجن لا تدخل فى بدن الإنس قال يا بنى يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه قلت ذكر الدارقطنى فى الجزء الذى انتقاه من حديث أبى سهل بن زياد لفرقد السنحى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إن ابنى به جنون وأنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره ودعا له فتفتفه فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فسعى رواه أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمى فى أوائل مسنده فتفتفه اى قيأه وسيأتى إن شاء الله تعالى عن قريب حديث أم أبان الذى رواه أبو داود وغيره وفيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج عدو الله وهكذا حديث أسامة بن زيد وفيه اخرج يا عدو الله فإنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
وقال القاضى عبدالجبار إذا صح ما دللنا عليه من رقة أجسامهم وأنها كالهواء لم يمتنع دخولهم فى أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذى هو الروح فى أبداننا من التخرق والتخلخل ولا يؤدى ذلك إلى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لأنها لا تجتمع إلا على طريق المجاورة لا على سبيل الحال وإنما تدخل فى أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف ، فإن قيل إن دخول الجن فى أجسامنا إلى هذه المواضع يوجب تقطيعها أو تقطيع الشياطين لأن المواضع الضيقة لا يدخلها الجسم إلا ويتقطع الجسم الداخل فيها قيل له إنما يكون ما ذكرته إذا كانت الأجسام التى تدخل فى الأجسام كثيفة كالحديد والخشب فأما إذا كانت كالهواء فالأمر بخلاف ما ذكرته وكذلك القول فى الشياطين إنهم لا يتقطعون بدخولهم فى الأجسام لأنهم إما أن يدخلوا بكليتهم فبعضهم متصل ببعض فلا يتقطعون وإما أن يدخلوا بعض أجسامهم إلا أن بعضهم متصل ببعض فلا يتقطع أيضا وهذا مثل أن تدخل الحية فى جحرها كلها أو يدخل بعضها وبعضها يبقى خارج الجحر لأن ذلك لا يوجب تقطعها وليس لأحد أن يقول ما أنكرتم إذا حصل الجنى فى المعدة أن يكون قد أكلناه كما إذا حصل الطعام فيها كنا آكلين له وذلك لأن الأكل هو معالجة ما يوصل بالمضغ والبلع وليس كلما يحصل فى المعدة نكون له آكلين ولا يكون الماء بحصوله فى المعدة مأكولا فإن قيل يجوز أن يدخلوا فى الأحجار قيل نعم إذا كانت مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها فإن قيل فيجب على ما ذكرتم دخول الشيطان وزوجته فى جوف الآدمى فينكحها فتحبل وتلد فيكون لهم في جوف الواحد منا أولاد قيل قد أجاب أبو هاشم عن هذا السؤال بأن ذلك لا يمتنع فى الأجسام الرقاق كما لا يمتنع ذلك فى الأجسام اللطاف ألا ترى أنه ربما يجتمع فى الجوف من الدود ونحوها شئ عظيم كثير وكذلك الرقيق من الأجسام غير ممتنع هذا منه قال إلا أنه لا يقطع الولادة عليهم لأنهم مختارون فربما لم يختاروا أن يتوالدوا فى أجواف الإنس كما لا نختار نحن أن نتوالد فى الأسواق والمساجد بل نختار فعل ذلك فى مواضع مخصوصة فلا يمتنع أن تكون هذه حالهم وإذا صح ما ذكرناه سقط هذا الاعتراض قال القاضى عبدالجبار بعد ما قدم حديث الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم هذا لا يصح إلا أن تكون أجسامهم رقيقة على مقتضاه ونظائرذلك من الأخبار المروية فى هذا الباب من أنهم يدخلون فى أبدان الإنس وهذا لا يجوز على الأجسام الكثيفة قال ولشهرة هذه الأخبار وظهورها عند العلماء قال أبو عثمان عمرو بن عبيدان المنكر لدخول الجن فى أبدان الإنس دهرى أو يجئ منه دهرى.