التفكير فوق المعرفي
في بداية السبعينات ظهر مفهوم «فوق المعرفي» ليضيف بعداً جديداً في مجال علم النفس المعرفي، ويفتح آفاقاً واسعة للدراسات التجريبية والمناقشات النظرية في موضوعات الذكاء والتفكير والذاكرة والإستيعاب ومهارات التعلم.
وقد تطور هذا المفهوم في عقد الثمانينات، ولا يزال يلقى الكثير من الإهتمام نظراً لارتباطه بنظريات الذكاء والتعلم واستراتيجيات حل المشكلة واتخاذ القرار.
وأجريت دراسات كثيرة لمقارنة مستويات مهارات التفكير فوق المعرفية لدى الأشخاص العاديين والموهوبين والأفراد الذين يعانون من قصور عقلي، وأظهرت نتائج هذه الدراسات أن الأطفال والأفراد الذين يعانون من قصور عقلي يتصرفون بصورة متكررة وكأنهم غير واعين لما ينبغي عمله أو اتباعه من استراتيجيات أو أساليب لحل المشكلة.
كما أن إداراتهم لسلوكياتهم الذاتية في مواجهة متطلبات حل المشكلة ليست فعالة كما هو الحال لدى الأشخاص العاديين والموهبين.
وإذا استعرضنا عينة من الدراسات والكتابات التي تناولت الأبعاد فوق المعرفية للتفكير لوجدنا عدداً من التعريفات لـ«مهارات التفكير فوق المعرفية» ومن أمثلة هذه التعريفات مايلي:
1 ـ عمليات تحكم عليا وظيفتها التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد في حل المشكلة، مهارات تنفيذية مهمتها توجيه وإدارة مهارات التفكير المختلفة العاملة في حل المشكلة.
2 ـ أعلى مستويات النشاط العقلي الذي يبقي على وعي الفرد لذاته ولغيره أثناء التفكير في حل المشكلة.
وبالرغم من تباين التعريفات التي وضعها عدد من علماء النفس المعرفيين لمفهوم «فوق المعرفي» إلا أن معظم التعريفات كما يبدو تشترك في إبراز أهمية الدور الذي تلعبه المهارات فوق المعرفية في فعل التفكير أو حل المشكلات، وعليه فإنه يمكن تعريف «مهارات التفكير فوق المعرفية» بطريقة تجمع أهم العناصر المشار إليها سابقاً على النحو الآتي:
«مهارات عقلية معقدة تعد من أهم مكونات السلوك الذكي في معالجة المعلومات، وتنمو مع التقدم في العمر والخبرة، وتقوم بمهمة السيطرة على جميع نشاطات التفكير العاملة الموجهة لحل المشكلة، واستخدام القدرات أو الموارد المعرفية للفرد بفاعلية في مواجهة متطلبات مهمة التفكير».
وقد ميّز ستيرنبرغ (sternberg) في نظريته الثلاثية للذكاء بين ثلاثة مكونات لمعالجة المعلومات هي:
1 ـ المكونات الأسمى.
2 ـ مكونات الأداء.
3 ـ مكونات اكتساب المعرفة.
وعرّف ستيرنبرغ المكونات الأسمى بأنها عمليات الضبط العليا التي تستخدم في التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد أو نشاطاته أثناء قيامه بمهمة معينة، وهي تقابل ما أطلق عليه فلافيل (flavell) وغيره من الباحثين «فوق المعرفي» ووصف ستيرنبرغ المكونات الأسمى بـ«العمليات ذوات الياقات البيضاء» مقارنة مع مكونات التنفيذ التي وصفها بـ«العمليات ذوات الياقات الزرقاء» للدلالة على مستوى النشاط العقلي أو مهارات التفكير المنوطة بكل من هذين المكونين للذكاء. واستناداً لهذا الوصف فإن المكونات الأسمى أو العمليات فوق المعرفية تقوم بالتنظيف والإشراف وإصدار التعليمات حول كيفية السير في حل المشكلات، بينما تقوم مكونات الأداء وهي مهارات تفكير من مستوى أدنى بتنفيذ العمل وتطبيق استراتيجيات الحل.